Top Ad unit 728 × 90

News

recent

تأملات في تاريخ الفهم الإنساني


تأملات في تاريخ المعرفة الإنسانية

تأملات في تاريخ الفهم الإنساني

Reflections in the history of human understanding

الـفـكــــــــر والتفكير والفكرة

التأمل في أحوال العِلم

التأمل في الفهم الإنساني

تأملات في تاريخ المعرفة الإنسانية


العناصر التي يتكون منها الموضوع هي:

مقدمة

الـفـكــــــــر والتفكير والفكرة

التأمل في أحوال العِلم

التأمل في الفهم الإنساني


تأملات في تاريخ المعرفة الإنسانية

   

مقــدمــــــة:

لتناول تاريخ الفهم الإنساني، من حيث قدرته على تهذيب الإنسان وتنظيم العالم. وذلك من خلال مفكري الإنساني سواء القدامى أو المحافظين أو مدعى الحداثة، ومن منظورات عدة متباينة، سواء فيما يتعلق بما هو جوهري أو بما هو نظري وحسب أو بما هو تحليلي أيضاً، لكل ما أنجزه الإنسان. نحاول أن نتناول الموضوع بشكل موجز ومختصر في حدود إعطاء فكرة لحد ما للقارئ الكريم. فإن من الناس ناس يموتوا ليموتوا فلا يبقى لهم أثر ولا يُستعلّم لهم ذكر، هؤلاء الذين يعيشون بدون فهم أو لم يعرفوا المعرفة. ومن الناس ناس يموتوا ليحيوا فإذا هم ملء الأبصار أثراً، هؤلاء هم الذين تركوا للإنسانية معارف ينتفعون بها. هؤلاء هم مشرقو النور في الحياة للإنسانية. هؤلاء كان دورهم عظيما في التنظيم العقلي ومكوناته، والتنظيم الانفعالي ومكوناته، للإنسانية.

مر الإنسان منذ بداية وجوده وحتى الآن بمراحل تفكير حتمية هي:

* مرحلة التفكير الخرافي.

* مرحلة التفكير الميتافيزيقي والفلسفي.

* ثم مرحلة التفكير العلمي الذي يمثل أهم وأخطر وأروع أداة للسيطرة على الطبيعة والمجتمع والتفكير.

ولاشك أن التفكير كغيره من العمليات النفسية يتوقف على حدوث التعلم، فإذا حدث التعلم ظهرت نتائجه في تكوين خصائص الشخصية وتكوين المفاهيم والقدرات العقلية والتفكير والمهارات النفسية والمهارات حركية.
وفي محاولة للتأكيد ـــــ إلى حد ما ـــــ الحقائق فيما يتعلق بالإنسان والفهم. حيث إن كلاً من الإنسان والفكر عملية حية متوحدة روحياً وعقلياً، أي ثمرة لتفاعل عوامل متداخلة اجتماعية وطبيعية وثقافية وتاريخية في بعدهم (الزمان/المكان)، وصولاً إلى بناء ما اصطلح على تسميته المواطن الملائم، الذي هو مرحلة من التكيف والتلاؤم في مسيرة تطور مطرد. وإذا كان الفهم يعنى العلم والمعرفة وحسن تصور المعنى، وإذا كان الناس يختلفون في درجات الفهم، وإذا كان الفهم هو عملية نفسية متعلقة بإدراك، بشيء ما، أي هو علاقة بين الشخص الذي يفهم وبين الشيء الذي يتم فهمه. أي هو عملية نفسية ترتبط بمفهوم مجرد أو حسي. حيث يكون الفرد قادراً على التفكير في هذا المفهوم أو الشيء وأن يستعمل مفاهيم للتعامل المناسب مع الغرض.
إن الحد الأقصى لصياغة المفاهيم حسب مقياس ما يسمى الفهم. أي القدرة على إدراك المعاني والأبعاد والعلاقات الداخلية والخارجية لفكرة ما. بما يتضمن معاني النقد والرفض والقبول والتحليل والنظرة الموضوعية المحايدة. وهذا يختلف عن معنى "تفهم" أي "تقبل" لوضع معين أو محاولة تقبله. لكن الفهم يعني صحة إدراك الشخص لما يقصده أو يرمي إليه، وإدراكه لحقيقة المواقف التي يمر بها في المراحل الحياتية المختلفة.
التفكير ظل وسيظل الخاصية الراقية العليا التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات فهو أرقى العمليات النفسية. كما أنه هو المحصلة النهائية لنواتج عمليات الإحساس والإدراك والتخيل، كما أن عيوب أو عجز في تلك العمليات لابد وأن يؤثر على عملية التفكير تأثيراً سلبياً.
فالتفكير يستخدمه البشر في حياتهم العامة والخاصة كوسيلة لحل المشكلات التي يواجهونها، لتحسينها والنهوض بمستواها. فدائماً تفكير البشر على مدار تاريخه، دائم التغير والتجدد، وتتغير الوسائل وتتجدد تبعاً لما يجرى في الحياة. كما أن العقل البشري في المراحل التاريخية المختلفة والمتتالية تطور في ميدان المحافظة على البقاء. وتاريخ الإنسان في معناه العام هو ماضي الإنسان ، وسجل مسيرة البشرية ، يحتوى في طياته كل التطورات التي مرت بها البشرية.
الإنسان دائماً في حاجة إلى التفكير والفهم والمعرفة، لكي يبقى ويتطور مع تطورات الحياة، ولكي يطور وسائله التي تعطيه القدرة على مواجهة مشكلات وصعوبات الحياة. مما يهيئ له أساساً للوعي ، بصوغ محيط عقلي تنويري جديد يتناسب مع البعد (الزمان/المكان). وفي محاولة لفهم جديد للإنسان على أساس علمي تطوري من حيث القدرة والإمكانيات والاحتمالات والتحولات في ضوء واقع حياة جديد. لبناء إنسان جديد يتصف بمنظومة ذهنية جديدة قرين فعالية نشطة ومرنه واعية بمحيط الحياة بكل تنوعاتها وما فيها من كل أشكال التناقض، ثم القدرة على الحركة والبناء والتكيف وسط هذه المتناقضات والتحديات الحياتية.

الفكر والتفكر والفكرة

==========
يعتبر العقل هو أداة الإدراك والمقايسة، ومحل الفهم والمعايرة. فداخل العقل يتم الحوار، حيث يحاور المعروف المجهول، ويسائل المتوقع غير المتوقع. فالفكر هو ما ينتجه العقل وهو ثمرته، وأفعال الإنسان هي ثمرة لأفكاره، وأعماله هي انعكاس لتصوراته، ولهذا فإن موقع الفكر من الإنسان فرداً أو مجتمعاً عظيم. وحيث أن الواقع دائماً يتمرد على الفكر، والفكر لا يستنفد الواقع ولا يرضيه، إنها نقطة معتمة، تحتجب أبداً لحظة النظر وتتراءى لحظة التطبيق. كما أن للفكر قيود يفرضها على واقع لا يمكن الدخول إليه أبداً، كما لا يمكن إدراكه إلا عبرها. فالفكر وما يبدعه وما يضيفه من ابتكارات هو حجر الزاوية في دفع عجلة التطور في أي مجتمع بشري. فالفكر أو التفكير هو مجموع العمليات الذهنية التي تمكن الإنسان من محاكاة العالم الذي يعيش فيه، أي التمثل الذهني للعالم ولكيفية اشتغاله، وبالتالي يمكنه من التعامل معه بفاعلية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته. فعملية التفكير تتضمن الإدراك والوعي وشدة الإحساس والأفكار والخيال والتصور، ويعتبر التفكير أعلى الوظائف الإدراكية. فهي كل نشاط عقلي واعٍ يسعى لحل مشكلة أو موقف، أو إيجاد وسيلة تخفف من متاعب الحياة. ويعد التفكير أي التأمل هو حلاً ذهنياً عن طريق الرموز أو حلها بالذهن لا بالفعل. فهو القدرة على التحليل والنقد والتوصل إلى نتائج تستند إلى استنباط أو استدلال وحكم صحيح. وهو العملية التي بنظم بها العقل خبراته بطريقة جديدة لحل مشكلة معينة. وهذه العملية تشتمل على إدراك علاقات جديدة بين المواضيع أو العناصر في المواقف المراد حلها. فالتفكير يعبر عن مجموعة العمليات أو المهارات العقلية التي يستخدمها الشخص، وهذه العمليات أو المهارات قابلة للتعلم من خلال معالجات تعليمية معينة.
كما أنه يوجد العديد من الأفكار والنظريات العلمية والأدبية والفنية كان لها دور رئيسي في تغيير نظرتنا للعالم وإلى أنفسنا، أو في تغيير أسلوبنا في التعامل معه. فالفكرة في حقيقتها هي كل ما يخطر في العقل البشري من أشياء أو حلول أو اقتراحات مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث ، لذلك تكون الفكرة نتيجة طبيعية للتفكير الذي هو أحد أهم مميزات الإنسان ، حيث أن قدرة الإنسان على توليد الأفكار يترافق مع قدرته على الاستنتاج والتعبير عن النفس . والأفكار هي التي تولد المصطلحات التي تشكل أساس أي نوع من أنواع العلوم أو الفلسفة أو المعارف عامة. فالفكر الإنساني هو نشاط عقلي يواجه به الإنسان مشكلة ما تعترض طريقه، هذه المشكلة هي أي موقف غامض يريد الإنسان أن يستوضحه أو حالة مستعصية يريد فهمها والتمكن من معالجتها والتغلب عليها بإيجاد الحلول المناسبة لحلها.

التفكير

=====
 يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنشاط العقلي، مع أنه نشاط عقلي غير مباشر، ويعتمد على ما يستقر في العقل من المعلومات، وينطلق من الخبرة الحسية ولكنه لا ينصرف فيها ولا يقتصر عليها. التفكير هو عملية ذهنية يتطور فيها المتعلم من خلال عمليات التفاعل الذهني بين الفرد وما يكتسبه من خبرات بهدف تطوير الأبنية المعرفية والوصول إلى افتراضات وتوقعات جديدة. التفكير انعكاس للعلاقات بين الظواهر والأحداث والأشياء في شكل رمزي لفظي. كما أن التفكير جزء عضوي وظيفي من بنية الإنسان، فهو نشاط عقلي وذهني يمارسه الفرد إزاء حالة أو موقف جديد أو مر عليه سابقا. فالتفكير يدفع الإنسان إلى تحديد حجم الحالة أو المشكلة التي يواجهها، ثم يبدأ بالتعرف على ما يتعلق بها من معلومات وحقائق ويقوم بجمعها وتحليلها من أجل التوصل إلى وضع الحلول المناسبة، من خلال الربط بين تلك المعلومات والحقائق.

وللتفكير عدة مهارات ومستويات من أهمها: 

المستويات الدنيا وهي التي تتضمن التذكر وإعادة الصياغة حرفياً. والمستويات التي تقع في المنتصف ما بين الدنيا والعليا، وهي التي تتضمن التوضيح والمقارنة وطرح الأسئلة والتصنيف. والمستويات العليا وهي التي تتضمن اتخاذ القرارات والتفكير الناقد وحل المشكلات والتفكير ألابتكاري والتفكير وراء المعرفي. والمستوى الحسي الذي يعتمد على حواس الشخص في معرفة الأشياء. والمستوى التصوري وهو المستوى الذي يستعين فيه التفكير بالصور الحسية المختلفة. والمستوى المجرد وهو التفكير الذي يعتمد على معاني الأشياء وما يقابلها من ألفاظ وأرقام. فالتفكير عملية كلية يتم عن طريقها معالجة عقلية لمجموع البيانات الداخلة أو الجاهزة للإدخال الحسية والمعلومات المترجمة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها، وهي عملية تتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية والاحتضان والحدس. كما أن التفكير عملية عقلية راقية تنطوي على إعادة تنظيم عناصر الموقف المشكل بطريقة جديدة تسمح بإدراك العلاقات أو حل المشكلات، ويتضمن التفكير إجراء العديد من العمليات العقلية والمعرفية الأخرى مثل الانتباه والإدراك والتذكر..وغيرها، وأيضاً بعض المهارات العقلية والمعرفية كالتصنيف والاستنتاج والتحليل والترتيب والمقارنة والتعميم..الخ. أما مهارات التفكير فهي عملية محدد نمارسها ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات، مثل مهارات تحديد المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة والتقويم... وغيره.

وأساليب التفكير الإنساني متعددة منها: 

الأسلوب العشوائي الذي يعتمد على ردود الأفعال المعتادة والتي استخدمت مرات عديدة متكررة لمواقف وأحداث متشابهة اعترضت الإنسان في حياته، أو لمواصلة حالة نشيطة تصادفه برد فعل بسيط لا يحتاج إلى جهد ذهني أو تفكير كثير أو لا يحتاج إلى التفكير أصلاً. وأحياناً قد يتطور الأسلوب العشوائي فيما بعد إلى نوع العلمية في مواجهة أغلب المواقف والمشاكل التي تحتاج إلى ردود فعل لإيجاد الحلول المناسبة. وهناك أسلو آخر هو الأسلوب العلمي المبرمج، وهذا الأسلوب يعتمد على استخدام الإنسان لتفكيره بشكل أكثر تركيزاً، حتى يتناسب مع الحالة أو الموقف الذي يصافه ويعترض حياته. وبهذا الأسلوب يحتاج الإنسان إلى تنظيم تفكيره وبرمجته وترتيب الخطوات المطلوب إتباعها بهدف وضع الحلول المناسبة، والوصول إلى المعرفة الكاملة المبنية أسس مدروسة علمياً. كما تشير أساليب التفكير إلى الطرق والأساليب المفضلة للفرد في توظيف قدراته واكتساب معارفه وتنظيم أفكاره والتعبير عنها بما يتلاءم مع المهام والمواقف التي تعترض طريقه في الحياة.
وفي تاريخ البشرية، توجد أفكار لها فاعلية لا يمكن التغاضي عنها أدت إلى تطور العلوم والفنون والآداب، وتبدل معها شكل الحياة وأساليب العيش. فهناك أفكار مفصلية عظيمة في تاريخ البشرية. فلقد مر برج الحضارة بمراحل كثيرة، ساهمت بعض الأفكار في شموخه وارتفاعه. فالأفكار العظيمة والنظريات العلمية هي مكتسبات إنسانية لا هوية لها. فالحضارة ميراث إنساني.

التأمل في أحوال العلم

"العِلم معرفة ثورية تتطور مرحلياً في الزمان"
إن المعرفة العلمية معرفة قد أثبتت جدارتها. وسلطة العلم والعلماء تستند على جمع الوقائع بواسطة ملاحظات وتجارب محكمة، واستخلاص القوانين والنظريات منها اعتماداً على طريقة منطقية. فالمعرفة بدون إمكانية القياس تنكمش حتى تتلاشى. مع الأخذ في الاعتبار أن العلم لا يحمل أي سمة ملازمة تجعله يسمو عن باقي شعب المعرفة. وإذا كان العلم يهدف أو يسعى إلى تحسين مصير الإنسان فوق الأرض، وهذا الهدف يمكن بلوغه بجمع عدد من الوقائع عن طريق ملاحظة منهجية تتولد عنها نظريات ترتبط بوقائع تمدنا بها الملاحظة ووجود مصدر وأصل لهذه النظريات في تلك الوقائع، ولا ننسى أن التجارب الشخصية والذاتية للملاحظين، تعتبر أساساً قوياً ومتيناً للقوانين والنظريات التي تشكل العلم، وينبغي أن يصاغ كل التعبير أو المنطوق الكلامي للملاحظة في لغة النظرية، وأن تكون دقتها بقدر دقة الإطار النظري أو ألمفهومي الذي تستعمله، مهما يكن غموض هذه النظرية، وتقدير مواطن قوة القوة والضعف في هذه النظريات. إن النظريات الدقيقة ذات الصياغة الدقيقة هي شرط أولي لكي يكون منطوق أو كل التعبير للملاحظة دقيقة. وبهذا المعنى فالنظرية سابقة على الملاحظة، ومن هنا أصبح من الضروري تقدم النظريات على منطوق أو كل تعبير للملاحظة. لأننا في تاريخ العلوم ننطلق من درجة من الغموض لنبلغ درجة من الغموض تكون أعلى مستوى. وهذا هو حال تاريخ البحث العلمي. وإجمالاً: النظرية العلمية هي مجموعة من القوانين العلمية ومن المبادئ والقضايا العامة المرتبطة ارتباطاً منهجياً ومنطقياً والتي تتناول بالتفسير والتحليل ظواهر وحقائق مترابطة ومتصلة بموضوع ما، كما تتناول أيضاً التعميمات التجريبية المتصلة بالموضوع محل البحث.
ومن إحدى السمات الكبرى للعلم هي قدرته على التفسير والتنبؤ. وإذا كان العلم يقوم على الوقائع المستمدة من الملاحظات والتجارب، ومعالجة الوقائع التي تتأسس داخل هذه الملاحظات والتجارب بما هي عليه داخلها دون ربطها بأفكار سابقة، كما أن دور الملاحظات والتجارب أن تختبر أو تنير النظرية، والملاحظة الجديرة بالتسجيل هي تلك المتعلقة بالنظرية. فالأمر الأساسي هو قبول الوقائع وبناء النظرية في توافق معها. فالمعرفة العلمية هي التي تمكن من التنبؤ وتحليل السبب. كما أن صدق المقدمات يؤدي إلى صدق النتائج. فالمجتمعات العلمية تقوم بالبحث العلمي الذي هو نظام سلوكي يهدف لنمو الإدراك البشري، وزيادة قدرته على الاستفادة مما فوق وتحت الثرى، وبما يوفر حياة حضارية كريمة للفرد وللمجتمع. مما يعنى أنه سلوك إجرائي واعٍ يحدث بعمليات تخطيطية وتنفيذية متنوعة للحصول على النتائج المقصودة.

المنهج العلمي: 

المنهج بصفة عامة هو الترتيب الصائب للعمليات العقلية التي نقوم بها بصدد الكشف عن الحقيقة والبرهنة عليها. والمنهج العلمي هو تحليل منسق وتنظيم للمبادئ والعمليات العقلية والتجريبية التي توجه بالضرورة البحث العلمي أو ما تؤلف بنية العلوم الخاصة، فهو الطريق المؤدي للكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة.

خطوات المنهج العلمي: 

1) ملاحظة جميع الوقائع وتسجيلها، دون انتخاب أو تقويم قبلي لأهميتها النسبية. 2) تحليل كل الوقائع التي تمت ملاحظتها وتسجيله، ثم يتم مقارنتها وتصنيفها دون مسلمات أو فرضيات سوى ما يستلزم بالضرورة منطق التفكير. ومن خلال تحليل الوقائع ستتم الخطوة رقم 3) وبواسطة الاستقراء، استخلاص عبارات عامة تؤكد علاقات التصنيف أو السببية بين هذه الوقائع. 4) والآن في هذه الخطوة ستكون الأبحاث الموالية استنباطية واستقرائية على حد سواء، وستستعمل الاستنباطات المباشرة التي يتم استخلاصها من عبارات عامة تم وصفها فيما قبل. كل هذه الخطوات تتم من خلال عقول وهبت قوة وتمكن يفوقان ما للبشر في عمومها. حيث توصف بالمرونة وبالأفق الواسع والاهتمام والإلمام الشامل والتمكن.
والمنهج العلمي بصورته التقليدية، الذي يسمى المنهج التجريبي، يقوم على أساس الخبرة الحسية بصفة عامة، والدور المهم للمشاهدات الحسية. وأيضاً ويسمى بالمنهج الاستقرائي وذلك لاعتماده على الاستقراء بصورة أساسية كمنهج وحيد للبحث العلمي. وهذا المنهج التقليدي يمر بعدة مراحل تتمثل في الملاحظة والتجريب ثم وضع الفروض وأخيراً تحقيق تلك الفروض. وهذه المراحل تعطي تصوراً متكاملاً لمنهج الاستقراء بصفة عامة. وتعنى الملاحظة توجيه الحواس والانتباه إلى ظاهرة معينة أو مجموعة من الظواهر بهدف الكشف عن صفاتها أو خصائصها للوصول إلى كسب معرفة جديدة عن تلك الظواهر موضوع البحث. أما التجربة فتعنى ملاحظة الظاهرة بعد تعديلها تعديلاً كبيراً أو قليلاً بإضافة بعض الظروف عن عمد بحيث تكشف الظاهرة عن خصائصها التي لا تتوافر لنا ملاحظتها في الظروف الطبيعية. وكانت هذه بعض من هي مفاهيم العلم الكلاسيكي القديم.
أما التصور المعاصر للعلم والمنهج العلمي الجديد، فبدأ بظهور فروض ونظريات علمية جديدة من أهمها: أولاً نظرية النسبية للعالم "ألبرت آينشتاين"، التي ساهمت في كشف وعلاج ما في البناء الفيزيائي الكلاسيكي من تصدع، وطرحت هذه النظرية فروضاً جديد، وقضت على كل التصورات التي تلحق شيء بآخر لصفة مشتركة بينهما أو بينهما تشابه، في الفيزياء عندما ألغت قاعدة التأثير عن بعد، ووحدت بين الكتلة والطاقة، واستبعدت الأثير، وألغت المفهوم اللاهوتي المطلق للزمان والمكان. ثانياً: نظرية الكم، وهي بحث للعالم "بلانك"، ومن أهم ما حققته هذه النظرية تعطي للضوء طبيعة ذرية جسمية، بافتراض أن الإشعاع ينطلق على هيئة مقادير منفصلة، فالتغيرات في الكون لا تتكون من حركات مستمرة في المكان والزمان بل هي على نحو غير مستمر. وهذا المفهوم الجديد يساعدنا في ترتيب الحوادث وإيجاد العلاقات القانونية بينها. وكان هذا تطويرا للفيزياء التقليدية. ثالثاً: نظرية الميكانيكا الموجية، هذه النظرية تهدف لإثبات أن الضوء ظاهرة موجية وجسمية معاً، بمعنى أن الخصائص الجسمية ترتبط بموضع الجسم في المكان، بينما ترتبط الخصائص الموجية بسرعته. حيث يرى "بروي" أن الموجية والجسمية مفهومان لا غنى عنهم في نظرية موحدة لتفسير صفات الضوء وصفات المادة.
وعموماً المحتوى المعرفي لأي نظرية حالياً غير محدود، طالما أنه يتشكل وينمو في ضوء النظريات التي تتعارض معها حالياً ناهيك عن النظريات التي قد تتخطاها في المستقبل. كما أن برامج البحث العلمي على الأقل يجب أن تكون على درجة من التماسك تسمح وتهيأ لها احتواء تحديد برنامج للبحث يتم إنجازه في المستقبل، ويجب أن تؤدي إلى اكتشاف ظواهر جديدة، على الأقل، عن طريق الصدفة، فإذا تم ذلك استحقت أن توصف بأنها برامج علمية. كما أن البحث النقدي للنظريات العلمية لا يتوقف، وإنما على الباحث أن يخضع النظرية في أي وقت لاختبارات جديدة، وكلما تخطت النظرية اختبارات من هذا النوع ظلت هي الأعظم في المحتوى المعرفي ومن حيث قوة التفسير، وأبقينا عليها مؤقتاً، فهي أفضل ما لدينا من نظريات حتى الآن وإلى يتم التوصل إلى أي جديدلأن النظرية هي بناء فكري نظري تأملي ترتبط فيه النتائج بالمبادئ أو بالمقدمات. ولأنها قضية تثبت برهان من خلال مهارة في تجميع وتنسيق وإنشاء عقلي مؤلف من تصورات منسقة تهدف إلى ربط النتائج بالمبادئ فهي نوع من المعرفة العلمية وفق قوانين ومعايير جديدة ودقيقة لتفسير جوانب من الواقع.

المنهج العلمي المعاصر يمكن إجماله في الآتي: 

حيث تم انتقال العلم إلى ميادين جديدة وبأفكار ومناهج وطرائق علمية جديدة بدأت من حيث انتهي المنهج التقليدي، وذلك من خلال تفسيرات وفروض علمية جديدة، وتفسير وصفي وهو فرض يصف نوعا معيناً من الظواهر وصفاً يجعل من تفسيرها دقيقاً. وتتميز بأنها فروض مؤقتة تقبل التطوير والتعديل، وفروض صورية وهي ألصق بالمنهج العلمي المعاصر حيث لا يخضع هذا النوع من الفروض للتحقيق التجريبي المباشر، فهو يتناول عالم الدقائق و الذرات كما يتناول عالم الأفلاك وموضوعه في الحالتين لا يخضع للإدراك الحسي، وعلاقته وثيقة بالاستدلال الرياضي، حيث يقوم الاستنباط هنا بدور يفوق الملاحظة والتجربة الذي لا يأتي إلا متأخراً. وعلى العالم أن ينتقل وسط صياغات رياضية معقدة تنتهي به إلى نتيجة يمكن أن تخضع للملاحظة، ثم الانتقال إلى آخر المراحل وهو التحقيق التجريبي. بهدف الوصول إلى نتائج قابلة للتحقق. وبإيجاز نخلص إلى أن النظرية العلمية بوجه عام هي نوع من المعرفة العقلية الخالصة التي توضح الأشياء والظواهر توضيحاً لا يعول على الواقع.

طابع العلم: 

أنه معرفة ديناميكية ثورية تنمو وتكتسب وتتطور في الزمان. فالعلم لا يقوم على قاعدة صخرية شديدة القوى جامدة. فالبنية الميكروسكوبية لنظرياته والتي تعد البناء العلمي للعلم، يمكن القول، أنها على مستنقع. والتقويم الصحيح لنظرياته يتم من خلال الانتباه اللازم لسياق الفترة التي تمت فيها صياغتها، وعلى الظروف التي ظهرت فيها أصلاً. فالعلم يتقدم بالمحاولات والأخطاء والتخمين والتفنيد وبالتأملات الجديدة وبالنقد الموضوعي المستمر البناء. فالحافز للأنشطة البشرية في مجالات العلم المختلفة هو الشعور بالنقص، ومحاولات التغلب على هذا الشعور، وهو سلوك بشري يؤدي إلى نمو العلم.

ما هية البحث العلمي أو البحث بالطريقة العلمية: 

هو سلوك إنساني منظم يهدف استقصاء صحة معلومة أو فرضية أو توضيح لموقف أو ظاهرة، وفهم أسبابها وآليات معالجتها أو إيجاد حل ناجح لمشكلة محددة أو سلوكية اجتماعية تهم الفرد والمجتمع. أو اختبار مدى نجاح تقنيات جديدة لتطوير الإنتاجوالتفكير العلمي هو منهج أو طريقة منظمة عامة، يمكن توجيهها في معالجة جميع المواضيع.  ويقوم التفكير العلمي على أساس تنظيم الأفكار استناداً إلى عدة مبادئ منطقية وغير منطقية. ومن خصائصه التراكمية والموضوعية والتنظيم والقياس والشمولية واليقين والدقة والتجريد. وليس للتفكير العلمي لغة خاصة أو مصطلحات معينة.
فأسرار الطبيعة لا يمكن الكشف عنها إلا بواسطة نظريات عبقرية وعميقة، ومصاغة بوضوح وبدقة بحيث تجعلها مطابقة لنتائج الاختبارات والأحداث والظروف المادية. وكلما زاد عدد النظريات القائمة على التنبؤ التي نواجهها بواقع العالم، وكلما زاد تأكد طبيعتها في التأمل، إلا وسمح أو يسر للعلم أن يتقدم تقدماً حاسماً. كما أن التقدم العلمي يتم بواسطة التراكم وبواسطة الثورات العلمية وبواسطة أعضاء الجماعة العلمية. كما أن المنجزات الكبرى فيه لم تتم دفعة واحدة بل انبثقت شيئاً فشيئاً عبر التاريخ الثوري في حركة البناء العلمي. فالعلم يتقدم من خلال عمليات جديدة لا نهاية لها لصياغة تفاصيل جديدة. كما أن ظاهرة العلم أخطر ظواهر الحضارة الإنسانية، وأكثرها تمثيلاً لحضور الإنسان في هذا الكون. لأن تاريخ العلم هو في حقيقته تاريخ العقل الإنساني والتفاعل بينه وبين الخبرات التجريبية أو معطيات الحواس. هو تاريخ المناهج وأساليب الاستدلال وطرق حل المشكلات التي تتميز بأنها واقعية عملية ونظرية على السواء.

التأمل في الفهم الإنساني

===================
كان الإنسان في العصور السحيقة يبحث في الأرض شرقاً وغرباً عن الطعام والكساء لكي يقيم أوده، ويحمي جسده من البرد والصقيع. وعندما اشتد البرد والمطر ظل يجوب الأرض بحثاً عن سكن يقيه برودة الجو في الشتاء وحرارة الشمس في الصيف. واهتدى في بداية الأمر إلى سكن الكهوف البعيدة عن أنظار الحيوانات المفترسة حتى لا تفتك به. وبمرور الوقت استقر الإنسان وزاد عدد أقرانه فلجأ إلى استخدام لغة مفهومة تساعده على فهم أخيه الإنسان. ومن هنا انبثقت القطع الصغيرة من المعرفة وتلألأت أشعة النور في الحياة البشرية حين توصل الإنسان إلى استخدام وسيط ملفوظ يستطيع عن طريقة التعبير عن ذاته وعن رغباته ومطالبه. وهو ما نعبر عنه اليوم باسم اللغة المنطوقة. واللغة هي كنز الإنسان وميزته فهي حجة العقل والكلمة أساس اللغة وهي عالم من المعرفة. واستطاع الإنسان أن يحول تلك اللغة من مجرد صوت مسموع ينتهي تأثيره بانتهاء نقطه إلى شيء باقٍ يستمر باستمرار الوسيط المادي الدال عليه. هذا الوسيط المادي كان مجرد إشارات ورموز تتسم بالغموض ولكنها تحمل دلالات وإشارات واضحة.
وشيئاً فشيئاً طور الإنسان تلك الخطوط والإشارات إلى رسوم متقنة تعكس لنا جوانب عديدة من حياته. فنجده يصور لنا الحيوانات اللاتي عاشت برفقته والعقائد التي اعتقد فيها، والعلوم التي توصل اكتشافها. وكانت تلك المرحلة من حياة الإنسان من أهم مراحل تطوره العقلي والفكري لما كان لها من بعيد الأثر على حياة من سار على دربه. ثم تطور الفهم الإنساني واستطاع أن يطور تلك الرسوم إلى أبجدية تكتب. وظهرت الكتابة ليست نتيجة للتعلم الجاد، فقد تمت استعارة رموزها، بينما ظلت حقيقتها غريبة، لغاية اجتماعية أكثر منها فكرية، ولم يكن المقصود هو المعرفة والحفظ والفهم. فلقد اكتشف أحد أهالي العصر الحجري، أن وسيلة الفهم العظمى، حتى إذا لم تفهم، يمكن لها أن تستخدم لغايات أخرى. وعلى كل فطوال آلاف من السنين، وحتى الآن في جزء كبير من العالم، وجدت الكتابة كمؤسسة في مجتمعات لا يستطيع أفرادها في أغلبيتهم ممارستها. نعود مرة أخرى لنر أنه حدث تطور جديد للعقل، واختار للكتابة وسيطاً مادياً وسجلاً حافظاً لها مثل استخدام مصر القديمة وسيط هو ورق البردي. وكما في بلاد الرافدين حيث استخدم الإنسان لغة مكتوبة نسميها الآن باسم الكتابة المسمارية، واستخدم العراقي القديم اللوح الطيني ليحفظ عليه علمه ومعارفه، وفي الصين كانوا يسجلون علومهم على أوراق شجر الغاب الثقيل ثم توصلوا إلى استخدام الأوراق النباتية والأقمشة البالية في اختراع وسيط جديد موجود حتى الآن وهو الورق . وهكذا تنوعت الوسائط المادية التي استخدمها الإنسان نتيجة لتنوع ظروف المناخ والظروف البيئية المحيطة به.
كما أن إحدى أكثر المراحل إبداعاً في تاريخ البشرية، تقع إبان قدوم العصر الحجري الحديث المسئول عن الزراعة وتدجين الحيوانات مع تقنيات أخرى. وللتوصل إلى هذا، كان لابد لآلاف من السنين، أن تقوم جماعة بشرية بالملاحظة والتجربة ونقل ثمرات أفكارها. في وقت لم تكن الكتابة معروفة بعد.
وإذا كانت الكتابة ظهرت بين الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد، فعلينا أن نرى فيها نتيجة بعيدة، وغير مباشرة دون شك، لثورة العصر الحجري الحديث، وليس شرطاً لها، ولكن يمكن ربطها بشيء عظيم هو العمارة، على الصعيد التقني. وفي الواقع التاريخي نجد إنه خلال آلاف من السنين تقلبت معارف الإنسان أكثر مما تزايدت. فلقد خطت البشرية في العصر الحجري الحديث خطوات عملاقة بدون معونة الكتابة؛. على الرغم من إقرار حقيقة ألا وهي أن الكتابة والوسائط المستخدمة لتسجيل الكتابة عليها كانت كافية لترسيخ المعارف الإنسانية. مما ساعد على توسع دوائر الفهم الإنساني.

تأملات في تاريخ المعرفة الإنسانية

=====================
وإذا كانت المعرفة تشتمل على البيانات والمعلومات والأفكار والاكتشافات الجديدة والنتائج والتعليمات والخبرات وأسباب النجاح والفشل والملاحظات والأخبار والأحداث والتحليلات ذات الصلة المباشرة والغير مباشرة والتغذية العكسية، فإنه على مر التاريخ قد صافح عقل الإنسان حقائق الحياة. فقد كان الفلاسفة قديماً يهتمون كثيرا، بالجانب الأخلاقي للإنسان، ويعتبرون الحياة الأفضل الباعثة على السعادة تتمثل في الحياة الأخلاقية، التي أبدع كل واحد من الفلاسفة منهجا خاصا بها، ولم تخل فلسفة منها، بدء من الحكمة الشرقية في الهند ومرورا بالفلسفة اليونانية لدى أرسطو وغيره، ثم الفلاسفة المسلمين، فالفلاسفة في القرون الوسطي وعصر النهضة، إلى فلاسفة اليوم. والمعرفة أشمل وأوسع من العلم، لأنها تعني الإلمام والتمكن أو معرفة حقيقة الشيء. وحتى يتمكن الإنسان من الحصول على المعرفة، يشترط أن تكون معتقداته صادقة، والأسس التي تقوم عليها المعتقدات يجب أن تكون كافية.
ومن طبيعة الإنسان أنه كائن متسائل وفي نفس الوقت هو كائن يحاول الإجابة دائماً. وكونه متسائل أهم من كونه يحاول الإجابة دائماً. إنه دائماً يثير الأسئلة ودائماً يحاول الإجابة. بل أن الإجابة تصبح بدورها سؤالاً جديداً. وبتتبع أهم المراحل التاريخية للمعرفة الإنسانية، نجد أنه في العصر الحديث، ظهرت مجموعة من المفكرين تجاوزوا بتأملاتهم العميقة كل ما عرفه الإنسان من قبل، وجعلوا من الفلسفة بحثاً في الطبيعة وفى الإنسان، بهدف إبراز مكانته ومدى سيطرته على الطبيعة وما فيها من أسرار . وتتبعوا الآراء المتصلة بالمشكلات التي ظهرت منذ العصر القديم، حيث تمكنت الفلسفة من الانتقال من الأسطورة إلى اللغة العقلية، ومن تحديد المواقف النمطية التي يمكن للمرء أن يتخذها حين يتخيل العالم أو الوجود أو الإنسان.
والمعرفة تكون ممكنة من خلال وجود ألذات العارفة أو أذهاننا الخاصة. ومن خلال وجود الموضوع أو الشيء المعروف وهو ما يتضمنه العالم الخارجي. ومن خلال وجود علاقة معرفية من نوع معين بين أذهاننا وبين ما يتضمنه العالم من حولنا. والإنسان في البدء وهو يحاول البحث عن الحقيقة، بدء بالشك أو البحث أو حاول أن يستقصي حتى يكتشف. من خلال ميراث الشك ودرجات واليقين.
وتطور الإنسان ونهض من مرحلة الشك إلى الاعتقاد القاطع بحقائق معينة، دون أي تبصر بطبيعة استعمال قواه العارفة. ثم تطور الإنسان وبدء بفحص القوى العارفة، فانتقل من الاعتقاد إلى النقد لكل ما يعرفه. فنجد أن الفكر الإنساني في العصر الوسيط، حاولت الفلسفة التوفيق بين العقل والإيمان أو بين الفلسفة والدين. فالواقع أن العصر الوسيط يمثل خطاً للتطور نحو تحرير العقل والتفكير المستقل غير المحدود بمضمون ثابت يفرض عليه من الخارج. ومن ثم فهو دورة من دورات تطور الحضارة الإنسانية. ورغم أن هذا العصر كان دينياً في أساسه وصلبه وجوهره، وكانت الفلسفة فيه خاضعة للاهوت، وكان يعوزه العلم الحديث والمناهج القائمة على الاستنباط والاستقراء والتجربة، إلا أننا لا يمكن أن ننسى ما شارك به من جهد وخاصة المنهج الذي اتبعه فلاسفة هذا العصر في النظر العقلي والاستدلال، على الرغم مما في هذا العصر من جفاف وآلية، إلا أنه استطاع أن يكسب الفكر نفاذاً ودقة وقدرة على التمييز والتقسيم والتفريغ وغيرها من الصفات التي يندر وجودها في ذهنية العصر الحديث.
لقد انشغل العديد من الفلاسفة والباحثين بموضوع طبيعة المعرفة، من حيث بيان كيفية العلم بالأشياء، وكيفية اتصال القوى المدركة لدى الإنسان بموضوعات الإدراك، وعلاقة كل منهم بالآخر. ففي عصر النهضة وهو عصر التفاعل الفكري والاعتقاد والتمرد على سلطة الكنيسة، وتحرر العقل من سيطرتها، فقد امتاز هذا العصر بحركات الإصلاح الديني التي أبرزت وجود الفرد وألقت عليه كل التبعات الدينية التي لا تحملها عنه الكنيسة ولا رجال الدين. وقد تحددت الملامح الرئيسية الفكرية للفكر في عصر النهضة من خلال المشكلات التي سادت في هذه الفترة.
وظهرت العديد من المذاهب في مسألة طبيعة المعرفة مثل المذهب المثالي والمذهب الواقعي والمذهب العلمي الذي يؤكد النتائج العلمية العملية. والمذهب بشكل عام هو عبارة عن مبادئ وآراء متصلة ومنسقة لمفكر أو مدرسة، فهو اعتقاد يستمر عليه صاحبه. والمعرفة في عمومها تعني علم الشيء مفصلاً عما سواه. فكلمة معرفة تعبير يحمل العديد من المعاني التي ترتبط مباشرة بمفاهيم التعليم والمعلومات والاتصال. فالمعرفة تنتج من التقابل بين ذات مدرِكة وموضوع مدرَك، وتقوم في آن واحد على التقابل والاتحاد بين هذين الطرفين، وهي بهذا المعنى تحدث للنفس العارفة بعد اتصالها بموضوع المعرفة. والمعرفة في واقعها فطرية ومكتسبة، فطرية بمعنى أن الذهن لدية القدرة على معرفتها وأن هذه المعارف تنبثق من داخل الوحدة العنصرية، ومكتسبة بمعنى أنها تتأثر بما تثيره من إدراك ونضج للعلم الخارجي وما تمدها به تجاربها من مادة خام تسمح وتيسر الفرصة لنقل ما لديها من أفكار موجودة بالقوة إلى الوجود بالفعل. وتتقبل الوحدة العنصرية باستمرار الانطباعات الخارجية ثم تحليلها بفضل ما لديها من قوة نشطة إلى معارف وأفكار، ولكن هذه الأفكار لا تكون واضحة ومتميزة منذ البداية، بل تبدوا لأول وهلة مختلطة وغامضة ولن تكتسب الوضوح والتميز إلا عندما تصبح موضوع تفكير الوحدة العنصرية ووعيها.
ومصادر المعرفة إما أن تكون لبنات محسوسة تخرج من باطن الواقع الملموس، وإما لبنات عقلية أو بالأدق بنات فكر فطرية، أو نسق ممشوق من النوعين تحكمه مقولات، وقد لا يكون هذا جميعاً إنما هي فيض غزير وكثير حدسي، من مستوى يعلو كل ما سواه. كما أن نظرية المعرفة كانت ميداناً خصباً للعديد من الفلاسفة لكونها تهتم بأساسيات المعرفة لدى الإنسان، كبيان طبيعتها وأنواعها ومصادرها. وأيضاً كان للتيار العقلي والتجريبي إسهامات عديدة في هذا الميدان.

كـلـمـــة خــتـــامــيــــــة

============
عزيزي القارئ أتمنى أن يكون هذا الموضوع قليل الألفاظ كثير المعاني. فإنك تعلم أن كل شيء لو بلغ غايته فيما يلزم لنفسه في جميع أحواله من حيث ذاته فهو الكامل وكل ما لم يكن كذلك فهو ناقص على قدر درجته من عدم بلوغ غايته، فإن ترتب على شيء نقص في آخر . ومن حيث التأمل في تاريخ الفهم الإنساني، نجد أنه تقوم العادة على تحليل الظواهر أو القضايا من حيث التتبع لها من القديم إلى الحديث. ومن حيث الانطلاق من الواقع والتحرك بحسب حركية وتوجه الحدث وزمانه ومكانه، لإعطاء صورة عن واقع المعرفة الإنسانية بمعناها الواسع الفكري والعلمي والتكنولوجي، ووضع التصور المبدئي لمسبباتها. فالمعرفة كانت بالنسبة للإنسانية، عبارة عن إنارة مستمرة تلغي الظلام كلما اتسعت المساحة المنارة. فالمعرفة اليوم هي القوة المنتجة. المعرفة حرية في المنطلق والأساس وسلطة في النتيجة. كما أن العالم والحياة عموماً حدث لهم تطور بسرعة تستند على قدرات الإنسان العقلية والمعرفية الفائقة. فمفردات الوجود هي الإنسان والزمان والمكان، والذي يربط بينهم وينير ما بينهم من ظلمات أو الصعوبات الحياتية هو البحث العلمي والإنتاج الفكري والمعرفي، والوعي بأهمية المعرفة، وبناء بنية الهياكل اللازمة والمنظمة والمتطورة لإنتاج المعرفة، من خلال تمويل أبحاث معرفية وعلمية وفكرية وثقافية. والاهتمام بالمقومات الروحية الضرورية للمعرفة وخصوصاً الحرية الفردية والشخصية المسئولة والمقننة، وحرية البحث وحرية نشر وتدريس المعرفة خصوصاً في المجالات الاجتماعية والسياسية. مرة أخرى الحرية المسئولة المقننة التي تبني الحياة الإنسانية الصحيحة. ولا لا لحرية التفسخ والانحلال والهدم. كما أن لكل علم من العلوم نظرية معرفة يختص بها ويهتم الدارسون فيه بتنمية المعرفة المرتبطة بهذه النظرية. فالمعرفة مشروع علمي ثقافي يهدف للبناء المعرفي الإنساني. المعرفة هي مركز إشعاع النور للإنسانية ليضيء لها الحياة بجودة عالية. والمعرفة هي المخلصة للإنسانية من الظلام. فالإنسانية من خلال المعرفة خصصت جهاز دماغها لتشخيص دائها وتحري دوائها في مختلف مراحل التاريخ الإنساني.

عزيزي الزائر
أرجو أن يكون الموضوع قد نال رضاك
 ولكم كل التقدير والاحترام
وسلام الله عليكم جميعا
وسنتناول أيّ موضوع بأفكار ورؤى  جديدة
انتظرونا قريباً
== القادم أجمل ==
تأملات في تاريخ الفهم الإنساني Reviewed by ahwalaldoalwalmogtmat on 11/25/2016 Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.